الجمعة، 20 ديسمبر 2013

الذي عنده أم حافظ عليها 2014

الذي عنده أم حافظ عليها 2014

عند ولادتي ، فكنت الابن الوحيد في أسرة شديدة الفقر



فلم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا ....



وإذا وجدنا في يوم من الأيام بعضا ًمن الأرز لنأكله ويسد جوعنا :



كانت أمي تعطيني نصيبها ... وبينما كانت تحوِّل الأرز من طبقها إلى



طبقي كانت تقول : يا ولدي تناول هذا الأرز ، فأنا لست جائعة ..



وكانت هذه كذبتها الأولى



وعندما كبرت أنا شيئا قليلا كانت أمي تنتهي من شئون المنزل وتذهب



للصيد في نهر صغير بجوار منزلنا ، وكان عندها أمل أن أتناول سمكة قد



تساعدني على أن أتغذى وأنمو ، وفي مرة من المرات استطاعت بفضل



الله أن تصطاد سمكتين ، أسرعت إلى البيت وأعدت الغذاء ووضعت



السمكتين أمامي فبدأت أنا أتناول السمكة الأولى شيئا فشيئا ، وكانت أمي



تتناول ما يتبقى من اللحم حول العظام والشوك ، فاهتز قلبي لذلك ،



وضعت السمكة الأخرى أمامها لتأكلها ، فأعادتها أمامي فورا وقالت :



يا ولدي تناول هذه السمكة أيضا ، ألا تعرف أني لا أحب السمك ..



وكانت هذه كذبتها الثانية



وعندما كبرت أنا كان لابد أن ألتحق بالمدرسة ، ولم يكن معنا من المال



ما يكفي مصروفات الدراسة ، ذهبت أمي إلى السوق واتفقت مع موظف بأحد



محال الملابس أن تقوم هي بتسويق البضاعة بأن تدور على المنازل



وتعرض الملابس على السيدات ، وفي ليلة شتاء ممطرة ، تأخرت أمي في



العمل وكنت أنتظرها بالمنزل ، فخرجت أبحث عنها في الشوارع المجاورة ،



ووجدتها تحمل البضائع وتطرق أبواب البيوت ، فناديتها : أمي ، هيا نعود



إلى المنزل فالوقت متأخر والبرد شديد وبإمكانك أن تواصلي العمل في الصباح ،



فابتسمت أمي وقالت لي : يا ولدي.. أنا لست مرهقة ..



وكانت هذه كذبتها الثالثة



وفي يوم كان اختبار آخر العام بالمدرسة ، أصرت أمي على الذهاب معي ،



ودخلت أنا ووقفت هي تنتظر خروجي في حرارة الشمس المحرقة ،



وعندما دق الجرس وانتهى الامتحان خرجت لها فاحتضنتني بقوة ودفء



وبشرتني بالتوفيق من الله تعالى ، ووجدت معها كوبا فيه مشروب كانت



قد اشترته لي كي أتناوله عند خروجي ، فشربته من شدة العطش حتى ارتويت ،



بالرغم من أن احتضان أمي لي : كان أكثر بردا وسلاما ، وفجأة نظرت



إلى وجهها فوجدت العرق يتصبب منه ، فأعطيتها الكوب على الفور وقلت لها :



اشربي يا أمي ، فردت : يا ولدي اشرب أنت ، أنا لست عطشانة ..



وكانت هذه كذبتها الرابعة



وبعد وفاة أبي كان على أمي أن تعيش حياة الأم الأرملة الوحيدة ، وأصبحت



مسئولية البيت تقع عليها وحدها ، ويجب عليها أن توفر جميع الاحتياجات ،



فأصبحت الحياة أكثر تعقيدا وصرنا نعاني الجوع ، كان عمي رجلا طيبا



وكان يسكن بجانبنا ويرسل لنا ما نسد به جوعنا ، وعندما رأى الجيران



حالتنا تتدهور من سيء إلى أسوأ ، نصحوا أمي بأن تتزوج رجلا ينفق



علينا فهي لازالت صغيرة ، ولكن أمي رفضت الزواج قائلة :



أنا لست بحاجة إلى الحب ...



وكانت هذه كذبتها الخامسة



وبعدما انتهيت من دراستي وتخرجت من الجامعة ، حصلت على وظيفة



إلى حد ما جيدة ، واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لكي تستريح أمي



وتترك لي مسؤولية الإنفاق على المنزل ، وكانت في ذلك الوقت لم يعد



لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل ، فكانت تفرش فرشا



في السوق وتبيع الخضروات كل صباح ، فلما رفضت أن تترك العمل



خصصت لها جزءا من راتبي ، فرفضت أن تأخذه قائلة :



يا ولدي احتفظ بمالك ، إن معي من المال ما يكفيني ..



وكانت هذه كذبتها السادسة



وبجانب عملي واصلت دراستي كي أحصل على درجة الماجيستير ،



وبالفعل نجحت وارتفع راتبي ، ومنحتني الشركة الألمانية التي أعمل بها



الفرصة للعمل بالفرع الرئيسي لها بألمانيا ، فشعرت بسعادة بالغة ،



وبدأت أحلم ببداية جديدة وحياة سعيدة ، وبعدما سافرت وهيأت الظروف ،



اتصلت بأمي أدعوها لكي تأتي للإقامة معي ، ولكنها لم تحب أن تضايقني



وقالت : يا ولدي .. أنا لست معتادة على المعيشة المترفة ...



وكانت هذه كذبتها السابعة



كبرت أمي وأصبحت في سن الشيخوخة ، وأصابها مرض السرطان اللعين ،



وكان يجب أن يكون بجانبها من يمرضها ، ولكن ماذا أفعل فبيني وبين



أمي الحبيبة بلاد ، تركت كل شيء وذهبت لزيارتها في منزلنا ، فوجدتها



طريحة الفراش بعد إجراء العملية ، عندما رأتني حاولت أمي أن تبتسم لي



ولكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة جدا وضعيفة ، ليست أمي



التي أعرفها ، انهمرت الدموع من عيني ولكن أمي حاولت أن تواسيني



فقالت : لا تبكي يا ولدي فأنا لا أشعر بالألم ...



وكانت هذه كذبتها الثامنة



............ .......... ..



وبعدما قالت لي ذلك ، أغلقت عينيها ، فلم تفتحهما بعدها أبدا ....



............ ......... ..



إلى كل من ينعم بوجود أمه في حياته :

حافظ على هذه النعمة قبل أن تحزن على فقدانها ...

وإلى كل من فقد أمه الحبيبة :



تذكر دائما كم تعبت من أجلك ، وادع الله تعالى لها بالرحمة والمغفرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق