الاثنين، 30 سبتمبر 2013

يخاف الإنسان من الوحدة ولكن كنزه الحقيقي لا يمكن إكتشافه إلا في العزلة 2014

يخاف الإنسان من الوحدة ولكن كنزه الحقيقي لا يمكن إكتشافه إلا في العزلة 2014

قد إعتاد الناس عيشة الاقفاص ..

فإذا ما وجدوا نفوسهم فجأة في الهواء الطلق ..

لا يجرأون على تحريك أجنحتهم ويتخوفون الإصطدام بالصخور .. ــ مي زيادة ــ



قد لا تعرف الآن أن معظم سلوكياتنا تدل على هروبنا من ذاتنا ..

معظم ما نسميه المجاملات الإجتماعية والتجمعات والأندية ما هي إلى حجج واهية للهروب من أنفسنا ..الإنسان المعاصر لا يستطيع ان يجلس لوحده حتى خمسة دقائق وستجده إذا ما وجد نفسه لوحده حتماً سيشغل نفسه بكتاب او مشاهدة التلفزيون وكلها شكل من أشكال الهروب من النفس ..



هل لاحظت في الروايات والأفلام والمسلسلات أن السجين المشاغب يرحلونه " للحبس الإنفرادي" والظاهر أنها أشد عقوبة يمكن أن تقع على أي إنسان ..



نعم الإنسان يكره أن يعيش بعيداً عن الآخرين , عن الضوضاء والضجيج , ليس لأنه كائن إجتماعي كما يفسر المفسرون ولكن لأسباب أخرى لا يراها المفسرون أو لا يريد أن يراها أحد ..



إن الضجيج الخارجي يطغي على الضجيج العقلي ولذلك الناس دائماً مشغولون , بل يشغلون أنفسهم حتى لو لم يكن هناك ما يشغل , ولا يستطيع الفرد أن يجلس لوحده لأنه كلما إنعزلنا لوحدنا في مكان هادئ سننتبه للضجيج العقلي , وكلما زاد الإنعزال والهدوء كلما سمعنا هدير التفكير المتدفق في عقلنا بدون هوادة , وطبعاً نهرب إلى الأعمال والأندية والتجمعات وأحيانا نبتكر المشاكل والتظاهرات وتكثر المناقشات والحوارات والمؤتمرات , بدون أن نقف على الأسباب الحقيقية ..



نعم .. لو سمحت الظروف لأي إنسان أن ينعزل وحيداً في مكان ما سيري أن العقل آلة لا تتوقف يعربد بهديره القهري المستمر أقرأ المزيد عن التفكير القهري



يبدو أن أي فرد داخله ما يشبه جهاز الإنزار الذي سيشعره بالمخاوف إذا ما جلس وحيداً .. ولكننا بدلاً من البحث عن مصدر تلك المخاوف نختار الطريق السهل وهو الهروب , سوى بالغرق في العمل أو الزيارات الإجتماعية أو التجمعات أو الإنشغال بأي شئ آخر يسكت الأصوات الغامضة التي نسمعها حين تسكن أنفسنا وتهدأ ..



كل الحكماء المعروفين والمشاهير الذين برزوا بشكل واضح فوق أفق البشرية , ينادون بالوحدة والإنعزال والتأمل , لأن أي علم أو عمل غير ناتج من صميم نفسك سراب خادع ووهم كاذب لا طائل منه ..



وملاحظة بسيطة بالنظر للوراء ستؤكد لك أن معظم الذين أثروا في التاريخ كانوا إنطوائيين وفضلوا العزلة والتأمل في الجبال والغابات بدل الخوض في تيار الحياة العادية .. إطلع على سيرة الفلاسفة والمفكرين بل وحتي الأنبياء وستجد أن العزلة والإنطواء كانت القاسم المشترك بينهم ..



يقول توماس إديسون : "إن أفضل الأشياء تخرج من التفكير في عزلة تامة" ..



نعم العزلة مخيفة ونحن بطريقة أو أخري نعلم ذلك , لذلك نتجنبها ..

ولا يوجد هناك من سيقول لك غير ذلك , بل أن المعلمين أنفسهم سيقولون لك أن الرحلة مجنونة ومخيفة ,

وستشاهد من الأشياء والمغامرات المريعة ما لم تتخيله , ولكن علمتنا الحياة :



كل ما يأتي بسهولة .. سيذهب كذلك بكل سهولة



ليس هناك حلاوة من غير نار



لا تغرك الدنيا وبهرجتها وزخارفها ..

إن ما لا نعلمه عن انفسنا لو علمناه , لبكينا على ضياع الأيام والسنين ونحن نطارد السراب مخدوعين ببريق الوهم , ومتنا من الحسرة والألم .. الدنيا غاوية تحاول دائماً أن تبعدك عن نفسك وتشغلك لتدور وتدور ولن تعرف معنا الدوران والضياع إلا لحظة الموت ..



هل رأيت شخصاً توغل داخل نفسه حتي النخاع ؟؟ ..



حتماً سيخيفك .. مجرد جلوسه وصمته يخيف من حواليه .. ستجرب صمتاً وهدوءاً لن تجد له مثيل ..

ولأنه بعيد عن هذه الدنيا ستجد جاذبية غريبة من حوله ..

عندما كنت في الهند للبحث والدراسة قابلت أحدهم ..



بالقرب من المكان الذي كنت أسكن فيه , وذلك في مدينة بونا الساحرة بولاية مهاراشترا الهندية , كان هناك مقهي إعتدنا الجلوس عليها ونحن نقرأ الجرايد ونرتشف أكواب الشاي اللذيذ ..



لقد إعتدت الجلوس خارج المقهي , تحت ظل شجرة وارفة حولها حلقة مرتفعة قليلاً من الأسمنت "مسطبة" .. كان يحلو لي الجلوس على تلك المسطبة وظهري متكئ على ساق الشجرة .. في فترة من الفترات ظهر شخص غريب لم نراه من قبل .. من الظاهر , يرتدي أثمال بالية ولا يرتدي حذاء رغم حرارة الأسفلت في موسم الصيف خاصة وأنه غالباً ما نشاهده ذاهباً أو آيباً على قدميه , وكان يبدو أن ذقنه لم تري الموس منذ أعوام , وكانت عيناه جاحظة ويقظة بشكل ملفت للنظر , بإختصار كانت هيئته تدل على أنه مجنون .. بالطبع لم يكن يتحدث مع أي حد , ولم يكن يجروء أي أحد بالتحدث معه أيضاً .. في داخلي كنت أحس أن هذا الشخص عميق ويحمل فلسفة معينة ويتبع منهج إختاره في حياته , لذلك كنت أتوق للتحدث معه ولكن لم تسنح لي الفرصة ..



ذات يوم , وأنا جالس لوحدي على تلك المسطبة أطالع الجريدة , فإذا بنفس الشخص يأتي ويجلس بالقرب مني في مواجهتي , لم يلقي التحية كعادته وطلب كوب شاي بكل هدوء , وفجاءة رأيته يبتسم وهو ينظر ناحيتي ..



قلت في نفسي : هذه فرصتي , إبتسمت له بدوري وسألته مشجعاً لبدء الحديث :



تعرف كيف تبتسم , هه ؟؟ ..

فقال وهو مازال محتفظاً بإبتسامته التى توحي بأنه شاهد شئ غريب :



الحقيقة لقد أدهشني أن هذه الشجرة تحبك جداً !! ..

فرددت : هذه الشجرة تحبني ؟؟ !! .. وكيف عرفت ؟ ..

فقال بدون تردد : لقد أخبرتني الشجرة أنها تحبك ..

أخبرتك بنفسها ؟! ..



الآن كل من يسمعه يتحدث هكذا سيظن أنه مجنون يهذي ..

والحقيقة أنني لم أندهش من كلامه , ولكن كنت سعيداً أن شخص آخر شعر بتلك الحقيقة , مما جعلني واثق أن الرجل الجالس أمامي لابد من أنه وصل إلى مستوي عالي من الإحساس وتعمق في صلته مع نفسه , سوى كانت هبة ربانية , أو بإتباع منهاج معين كاليوقا أو التأمل الروحي ..



كل من توغل داخل نفسه يدرك بمعرفته أن للكون لغة واحدة مشتركة وهي "لغة الصمت" وليس بإستطاعة أي فرد فهم هذه اللغة إلا إذا وصل إلى درجة من الهدوء والسكينة ..

لا أعني بالصمت هنا عدم الكلام أو عدم الضجيج , فالصمت المقصود هنا يستحيل شرحه أو تعريفه لأنه غير موجود في أذهان الغالبية العظمي من البشر , ولكنه موجود ويمكن تجربته من خلال تقنيات معروفة ومجربة ..



عندما يصل الفرد لحالة الصمت والتي يمكن أن نلمح لها بإختفاء المنلوج الداخلي أو التفكير القهري , يحدث ما يسمي بالغشية ــ Trance ــ "نشوة روحية" , تكون بدايتها في الجسد ثم ترتفع خارجه ..

هذا الصمت ..

هو نبع المعرفة الحقيقية وهو الذي يجعل للفرد منظور عالى مستنير ..

ويوسع مداركه ويسمو به من الوعي إلى الوعي الخارق ..



تخيل ..

ماذا لو كنت تستطيع الهروب من حدود الجسد الضيقة إلى رحاب الأثير والفضاء اللانهائي , وتجربة واقع تستطيع فيه تحقيق أي شئ حتي لو كان أبعد من الخيال ؟ ..

هذا ما يحدث عند الإسقاط النجمي ..



وهؤلاء الذين جربوه وصفوه بأنه مفتاح التسامي ، وبوابة الحدس والمعرفة التي لا حدود لها ،

وحتى التحرر من الخوف من الموت.

بل أن البعض يطلق عليه التجربة الروحية المذهلة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق